المساعدة الإنسانية والدولة الإسلاميّة

0
307

كتب المقال بالفرنسية : وكالة إيرين IRIN  المقال في نسخته الفرنسية

ترجمه إلى العربية: لمياء باباي رويس ونور حايك وأثينة مدّور

لم تتطرّق وسائل الإعلام الغربية إلى موضوع الجماعة التي تسمي نفسها « الدولة الإسلامية » إلا في شهر حزيران/جوان عندما سيطر الجهاديون على مدينة الموصِل العراقية، رغم أن الجماعة كانت متواجدة في العراق منذ ما لا يقل عن عشر سنوات، وذلك بأشكال مختلفـة.

انبعثت الجماعة، وهي حركة سنيّة متطرّفة، من رماد القاعدة في العراق إثر مقتل زعيمها الأسبق أبي مصعب الزرقاوي جرّاء قنبلة أمريكية عام 2006. اتخذت الجماعة حينئذ اسم الدولة الإسلامية في العراق (داع). عام 2013، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق انصهاره في الجماعة الإسلامية « جبهة النصرة » في سوريا لتشكيل الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). ولم تبدِ جبهة النصرة علناً ولاءها للدولة الإسلامية ولا للقاعدة وهي حليفها الإيديولوجي، بل إنها قطعت صلاتها بتلك الجماعة. ورغم ذلك تقاربت جبهة النصرة والدولة الإسلامية من أجل تعزيز قدرتهما العسكرية في مواجهة الحملة الجويّة التي بدأتها الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ حزيران/يونيو 2014.
نجحت جماعة الدولة الإسلامية في أن تستغل بمهارة الانقسامات الإثنية ومشاكل الحوكمة في العراق لكسب دعم الأهالي. كما وظفّت الجماعة تقنيات دعائية متطورة لكسب أنصار من العالم أجمع وحثّ مسلمين في البلدان النائية مثل أستراليا والمملكة المتحدة والشيشان للالتحاق بصفوفها. من الصعب أن نحدد على وجه الدقة مدى صدق تأييد الشعب العراقي [لتلك الجماعات]. ولئن ابتهج بعض السنّة بصعود معارضة لحكومة بغداد ذات الأغلبية الشيعيّة، فإن وسائل الإعلام المتواجدة بالموصل تبدي في الأسابيع الأخيرة امتعاضا متزايدًا من الدولة الإسلامية وميلها إلى العنف والسيطرة.

صعود الدولة الإسلامية في العراق

وقد أكّدت الدولة الإسلامية من حيث هي تنظيم أولَ استحقاق لها على الأرض في العراق بداية كانون الثاني/يناير 2014، بالاستحواذ على جزء من الفلوجة التابعة لمحافظة الأنبار بعد أن انسحبت منها قوات الأمن الحكومية إثر مواجهات مع السلطات المحليّة بسبب تفكيك خيم المتظاهرين الموالين للسنّة. بداية من شهر يناير/كانون الثاني، تقدمت خلايا من تنظيم الدولة الإسلامية مستخدمة الأنبار قاعدة لها، نحو الشمال والشرق للاستيلاء على نينوى وديالى وصلاح الدين ومدينة بغداد. وقد سيطر التنظيم رسميا على المَوْصل في حزيران/يونيو ثم على مدينة تكريت بعد بضعة أيام. ومنذ سقوط المَوْصل، استحوذ تنظيم الدولة الإسلامية وجماعات أخرى متصلة به من المعارضة المسلّحة منها البعثيّون وميليشيات قبليّة وعناصر من النظام القديم وجيشه، على أجزاء واسعة من مقاطعة نينوى وصلاح الدين وديالى ومدن المَوْصل وتلّعفر وبيجي والقيارة وسنجار وسليمان بيك ورشاد وحويجة والرياض والفلوجة وصقلاوية.
تتغيّر خطوط المواجهة يوميا تقريبا، لذلك يصعب أن نعرف على وجه الدقة الأراضي التي تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية. ورغم ذلك تقدّر منظمة الأمم المتحدة أن 3,6 ملايين شخص يعيشون في مناطق تسيطر عليها الدولة
الإسلامية والجماعات المسلحة المتصلة بها. في تلك المناطق بوجه خاص، تكثر الاحتياجات ويعسر الحصول على المساعدة الإنسانية والضرورات الأساسيّة. وبسبب تعقّد الوضع الأمني، لم تستطع إلا بضع منظمات إنسانية دولية التدخل في العراق خارج إقليم كردستان.

هل تبلغ المساعدة وجهَتَها؟

لئن كان تواجد الدولة الإسلامية أحد العوائق الرئيسية [التي تحول دون] الحصول على المساعدات، فإن انعدام الأمن يمنع منذ سنوات عمال الإغاثة الأجانب والمنظمات التابعة لهم من الدخول إلى مناطق واسعة من العراق. علاوة على ذلك، تميل المنظمات الدولية إلى البقاء بعيدا عن الأراضي التي تعتبر تحت سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية أو جماعات أخرى ذات صلة بها خشية الوقوع تحت طائلة التشريعات المناهضة للإرهاب في الولايات المتحدة وأوروبا. ومع ذلك ورغم الاعتقاد بوجوب تجنب الدخول إلى تلك المناطق، فليس كل المساعدات الإنسانية معطّلة إذ تعمل وكالات الأمم المتحدة ومنظمات أخرى دولية مع منظمات محلية من أجل تقديم المساعدة الإنسانية لأسر عراقية مهجَّرة وللاجئين من سوريا.
ويعمل شركاء محليّون على إيصال مساعدات، وإن كانت بكميّة محدودة، إلى مخيّم العبيدي (المسمّى أيضا القائم)، وهو مخيّم للاّجئين السوريين في محافظة الأنبار. ولم تتمكن الأمم المتحدة من الوصول إلى المخيّم منذ شهر حزيران/يونيو بسبب تواجد تنظيم الدولة الإسلامية في محيطه. وقد زوّد برنامج الأغذية العالميّ التّابع للأمم المتحدة وغيرُه من الوكالات، مخيّم العبيدي والمناطق المحيطة به بطرودٍ غذائية ومستلزمات النظافة والمراحيض الجاهزة والمياه، عبر طرق لوجستيّة وشراكات محليّة تمّ إنشائها عند افتتاح المخيّم في حزيران/يونيو 2013، أي قبل فرض تنظيم الدولة الإسلامية سيطرته على القطاع. كما أنّ أغلب الأجهزة العاملة في تلك المنطقة هي منظمات غير حكومية مسجّلة في العراق، بيد أن بعض المنظمات غير الحكوميّة الدولية تتدخل إنسانيا في محافظة الأنبار. ولتسهيل وصول المساعدات، تستخدم المنظمات الإنسانية الدولية الكبرى أشخاصا نافذين يمكنهم العمل وسطاءَ لدى تنظيم الدولة الإسلامية. ولا يقوم أفراد المنظمات الدولية والأمم المتحدة بالتدخّل مباشرة في تلك المناطق بل يتمّ توزيع المساعدات في أكياس سوداء  لا شعار عليها. كما زوّدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مراكز الصحّة في العديد من المدن التي تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، بلقاحات وأدوية وأدوات جراحيّة وغيرها من المعدّات. أما جمعية الهلال الأحمر العراقي فمستمرّة في توزيع المساعدات في الموصل حيث ما زال لديها فرع، وكذلك في محافظة صلاح الدين والأنبار وكركوك.

المنظمات الإنسانية العاملة في العراق (تشرين الثاني/نوفمبر 2014

وقد أفاد الأهالي والعاملون الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية بوصول النزر اليسير من المساعدات الدولية. وقد يعود ذلك إلى إزالة جميع الشعارات ومشاركة ممثلين عن تنظيم الدولة الإسلامية مباشرة في توزيع المساعدات أو نسبتها إليهم.
وقد قال أحد سكان الموصل لوكالة « إيرين »: « تعمل [المنظمات الدولية] من خلال منظمات غير حكومية محليّة شريكة لها. المهمة عسيرة وصعبة على الشركاء، ولكن العمل يتم بتكتم شديد وبأسماء مستعارة هي مجموعات محلية ذات علاقات جيدة مع نسيج القبائل العربية. وهي أحيانا حليفة بعضها هناك ».
ووضّح مسؤول منظمة غير حكومية محلية مقرها تكريت تلك العلاقات بقوله:  » لدينا متطوعون يعملون في مناطق تقع تحت سيطرة داعش، وداعش تدعهم وشأنهم، لأن لديهم أنشطة إنسانية ويساعدون السكان. […] لا نواجه صعوبة في القيام بعملنا، والمشكلة الوحيدة هي شعارات المنظمات التي ترسل إلينا المساعدات الإنسانية. إذ يجب أن تخلوَ من الشعارات كي تقبل داعش بها. وفي حال وجود شعار مّا، يمنعون دخولها ويسببون المتاعب للمتطوعين ويحظرون توزيع هذه المنتجات على السكان « .

ورَغم أن خطاب تنظيم الدولة الإسلامية بيّن العداوة للغرب، فإنّ درجة معارضته للمنظمات الإنسانية أو للعمل الإنساني بشكل عام هي أقلّ وضوحا. إذ يعود مقتل العاملين في المجال الإنساني ألان هنينغ ودايفد هاينز وبيتر كاسيغ إلى العمل العسكري لبلدانهم الأصلية لا إلى مهنتهم. وخلافا لجماعات متطرفة أخرى مثل طالبان، قام تنظيم الدولة الإسلامية بحملات تلقيح ضد شلل الأطفال في سوريا.
إن تجربة مخيم العبيدي وإلى حدّ ما الموصلِ قد توحي بأن التنظيم لا يرفض تلقائيا كل تعاون مع الجهات الفاعلة الإنسانية طالما احترمت شروط معينة مثل انعدام الشعارات وعدم وجود موظفين دوليين. بل إن المساعدات الإنسانية تصب في مصلحة الأهداف الكبرى للتنظيم، إذ يدرك أن عليه مساعدة جموع الناس الذين يعيشون على الأراضي التي يسيطر عليها إذا ما أراد كسب تأييدهم. فهو يستفيد من دور الوسيط الذي يلعبه في توزيع المساعدات ليظهر في صورة التنظيم الذي لا يكتفي بخوض الحروب بل يسعى أيضا إلى تلبية احتياجات السكان الذين يعيشون في كنفه.
وبفضل مهارة الجناح الإعلامي « الحياة »، ينشر تنظيم الدولة الإسلامية مقاطع فيديو تظهر توزيع أغذائية ومعدات طبية وغيرها من وسائل الدعم. وتبدو عملية توزيع المؤونة محكمة التنظيم إذ تتم عبر مكاتب تسجيل وطوابير انتظار، كما تحمل بعض أكياس المساعدات عبارة « قسم الإغاثة ـ الدولة الإسلامية ». ولتكذيب الأخبار التي تزعم حظر دخول المؤونة إلى الموصل ومعاناة سكانها من الجوع، نشر تنظيم الدولة الإسلامية في حسابه على تويتر صوراً لرفوف متاجر كبرى ملأى بالمواد الغذائية ولقطط يقدم لها الطعام. غير أن وكالة « إيرين » لم تستطع العثور على أي شخص استفاد من مساعدات « قسم الإغاثة التابع للدولة الإسلامية » هذا. بل على العكس تماما، أكد معظم الأشخاص الذين قابلتهم وكالة « إيرين » أن تنظيم الدولة الإسلامية ينهب سكان المناطق الخاضعة لسيطرته.
يقول أحد عمال الإغاثة في تكريت: لا يعطون شيئاً، بل يكتفون بالأخذ فقط. إن وجدوا في الطريق أحدا ما بشاحنة مساعدات، طلبوا منه المال ليسمحوا له بالعبور […]. إنهم يسرقون السيارات ويسطون على البنوك، وحاليا شرعوا بنهب البيوت المهجورة لعلهم يجدون طعاما أو غيره مما يهبونه للسكان لاحقا ». وأضاف أحد سكان الموصل السابقين، قائلا: « عندما طرد تنظيم الدولة الإسلامية المسيحيين واليزيديين والشَّبَك والتركمان والشيعة، استولوا على جميع أملاكهم: نسائهم وطعامهم وأبقارهم وخرافهم. ثمّ بدأ تنظيم الدولة الإسلامية بعد العيد بذبح الأبقار وتوزيع الطعام على سكان الموصل هدية بمناسبة العيد. وقد رفض معظم سكان الموصل هذه الهدية قائلين إنهم لن يأكلوا أموال أصدقائهم المطرودين ».
ورغم التناقض بين الصورة التي يرغب تنظيم الدولة الإسلامية في إظهارها وتلك التي نقلها العراقيون إلى وكالة « إيرين »، يفتح استعداد تنظيم الدولة الإسلامية الظاهر لقبول المساعدات الإنسانية ولو بشروط معيّنة، المجال أمام مفاوضات من أجل نفوذ أكبر يشمل كل المناطق التي يسيطر عليها. ويبقى على المنظمات أن تدرس بحذر المخاطر المحتملة عند اتخاذ قرار الشروع في حوار مع التنظيم من عدمه. ويمكنهم الاعتماد على تحليل تدخلاتهم السابقة في نزاعات أخرى للموازنة بين ايجابيات القرار وسلبياته.

مناطق تواجد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق ( كانون الأول/ديسمبر)2014

المفاوضات الإنسانية بين الأمس واليوم

أصبح العمل مع تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من حركات المعارضة المسلحة، ومن خلالها أمراً لا مفرّ منه إن أردنا الوصول إلى ملايين الأشخاص المحرومين في العراق. ومع ذلك، فإنّ التفاعلات التي تحيط بعملية إيصال المساعدات في العراق تضع عمال الإغاثة في وضع محرج جدًا. وإنه وإن كان من واجبهم توزيع المساعدات دون تحيز وحسب الحاجة لا بد لهم من الخشية من أن يؤدي التعاون مع تنظيم الدولة الإسلامية إلى مساعدته مادياً ولو بغير قصد منهم، وإلى أن يضفي عليه شرعية لا يستحقها في عيون الشعب العراقي، وأن يؤدي إلى إطالة أمد الصراع والمعاناة. وعلاوة على ذلك، فإنَّ ورود تنظيم الدولة الإسلامية على لائحة المنظمات الإرهابية ـ وهو ما يجعله هدفاً لقوانين مكافحة الإرهاب لكثير من الدول ـ قد يُعرض للعقوبات القانونية أية منظمة تقدم المساعدات للأراضي الخاضعة لسيطرته أو تتفاوض معه فقط بغرض إيصال المساعدات.
ولمّا عُرف عن تنظيم الدولة الإسلامية عنفه الشديد، كان التعامل معه أمراً محفوفا بالمخاطر بالنسبة إلى المنظمات الإنسانية. وقد لا يكون هذا محُبّباً إلى الرّأي العام. وهكذا تبدي المنظمات الإنسانية حذرا بالغاً إبان التعامل مع التنظيم، وذلك لأسباب قانونية وأمنية وأخرى تتعلق بسمعتها. ورغم من هذه المخاوف، يظلّ الدّافع الأساسي للمنظمات الإنسانية هو تخفيف المعاناة وتلبية الاحتياجات حيثما ظهرت. ولذا، يجب عليها أن تكون قادرة على تأمين دوام وصول المساعدات إلى جميع السكان المعرضين للخطر وإن تمّ ذلك من خلال التفاوض مع الأطراف المتحاربة بل مع الجماعات المحظورة.
يمكن أن تقدّم دراسة حديثة أنجزتها « مجموعة السياسات الإنسانية » حول العلاقات مع تنظيم الشباب في الصومال وتنظيم طالبان في أفغانستان دروساً هامة للمنظمات في التعامل مع الصعوبات العملية والقانونية والأخلاقية المتصلة بمفاوضات فتح المسالك الإنسانية في العراق. ووفقاً لهذه الدراسة، فإن الحوار المباشر أو غير المباشر مع ذينك التنظيمين كان منذ البداية وبشكل متعمد ضروريا للسّماح بعمل مستمر وآمن في الأراضي الواقعة تحت سيطرتهما. في كلتا الحالتين، تقدر منظمات الإغاثة الإنسانية أنّ روابطها الوثيقة بالمجتمعات المحلية وخبرتها- إذ تواجد معظمها لفترات طويلة – كانت ضرورية للتفاوض بنجاعة. على سبيل المثال، كان الانخراط في حوار منظم، على مختلف المستويات، مع طالبان والأهالي، مهمًّا لضمان سلامة عمال الإغاثة والسكان.
وتبيّن التجارب في كل من أفغانستان والصومال حاجة منظمات الإغاثة الإنسانية إلى إرساء أُسس لمفاوضات مستقبلية في العراق إعدادا لشروط أفضل وتوضيحًا للمخاطر القانونية وما قد ينال من سمعتها. ذلك يتطلب تحليلًا معمقًا للسياق ومهارات في التفاوض ومعرفة جيدة لأصحاب المصلحة الرئيسيين، والقدرة على الحفاظ على شبكة جيدة من المعارف. تؤكد كلتا الحالتين الحاجة إلى اتباع نهج متماسك: فقد كان نادرًاالتعاونُ والتنسيق بين المنظمات الإنسانية فيما يتعلق بالمفاوضات مع الجهات الفاعلة غير الحكومية في الصومال وأفغانستان، ندرةَ تبادل المعلومات في ما يتعلق بأساليب التفاوض واستراتيجياته. ذلك مكّن أمهر المفاوضين من تأليب منظمات على أخرى لضمان اتفاقيات أكثر فائدة.
ربما كان الوضع في العراق أصعب، وخاصة لأن المنظمات الإنسانية لم تتوصل، بالفعل إلى عدة مناطق غرب العراق حتى قبل أن تسيطر عليها الدولة الإسلامية. وللصراع وجوه عدة كما أنه راسخ القدم في أوضاع جيوسياسية معقدة يعود تاريخها إلى عشرات السنين. ولذا فمن الصعب حـقًّـا فهمُ العلاقات بين العديد من الأطراف المعنيّة. ولكن، رغم وعورة المسلك، شكلت المنظمات الإنسانية الدولية شبكة من الشركاء المحليين الذين استمروا في توزيع المساعدات. كما هو الحال في صراعات أخرى، يجب أن تتمّ المفاوضات مع الجماعات المسلحة في العراق في جزء كبير منها عبر الشركاء المحلّيين. أحد الدروس الرئيسية التي يجب تعلّمها من أفغانستان هو أنه إذا ما جرى نقلٌ للمسؤولية كهذا في العراق ينبغي أن يكون مصحوبا بالمزيد من الدعم والمشورة والتدريب.
وقد وجدت المنظمات الإنسانية نفسها في أوضاع متشابهة، فالإشكالات والمتاعب التي أثارتها المفاوضات مع الأطراف المتحاربة قديمة قدم العمل الإغاثي نفسه. مثل هذه المفاوضات ليس بالسهل أبدا، وغالبًا ما يطرح إشكالات أخلاقية وعملية وقانونية. تجربتا أفغانستان والصومال تبينان أنّ المنظمات الإنسانية قد نجحت في تقديم المساعدة للمحتاجين، حتى إذا لم يكن وصولها مضموناً دائماً، ولا يمكن أن يستمر دون حوار دائم.
يسعى القانون الدولي الإنساني إلى إيجاد توازن بين المصالح العسكرية والأمنية للأطراف المتحاربة، بما فيها المجموعات المسلحة غير الحكومية، وبين الحاجة إلى تخفيف المعاناة. ولذلك، ينبغي على المنظمات الإنسانية التفاوض مع الأطراف المعنية للوصول إلى السكان المحتاجين. يحدّد القانون الدولي الإنساني بوضوح أن هذه المفاوضات لا تضفي على هذه المجموعات أيّة شرعية. وقد قدّم اعتماد اجراءات مضادة للإرهاب المصالح العسكرية والاستراتيجية على غيرها، لا يمكن قصْر هذا الحوار على المجموعات المسلّحة بل يجب أن يشمل الجهات المانحة أيضًا حتى تعرف الآثار السلبية لتشريع كهذا على العمل الإغاثي.
من النادر أن تتحدث المنظمات الإنسانية في ما بينها عن المفاوضات مع المجموعات المسلحة أو أن تتبادل الخبرات. ويمكن تفسير ذلك بانشغالها بأمن عمالها وعملياتهم وحتى بسمعتها. بيد أنّه من الضروري وجود المزيد من الشفافية في ما يخص المخاطر والتفاهمات التي يستلزمها أي حوار مع مجموعة مسلحة ما. وإذا اعتمدنا على تجربة العراق، فإن النزاعات القادمة ستتطلب المزيد من الحوار وليس العكس.
أما تجربتا أفغانستان والصومال فتدلان على أهمية الحوار مع المجموعات المسلحة غير الحكومية منذ البداية. ولهذه التفاعلات فرصة أكبر لأن تكون ناجعة إذا ما كان للمنظمات الإنسانية إستراتيجية واضحة وسياسات متناسقة تعتمد على محادثات صريحة وصادقة مع الجهات المانحة حول التأثيرات السلبية المحتملة للتشريعات ضد الإرهاب. يمكن أن تساهم الدروس التي تعلمناها في أفغانستان والصومال بطريقة مفيدة في تطويرإستراتيجية حوار في العراق، من شأنها تذليل الصعوبات الأخلاقية والقانونية والتنفيذية التي تحيط بالتفاعلات مع مجموعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية.

النقاط الأساسية

– رغم الاحتياجات المتزايدة في العراق، تظل إمكانية وصول المنظمات الإنسانية الدولية محدودة جدًا.
– تمكّن جزءٌ من المساعدات من الوصول إلى مناطق تحت سيطرة المجموعة التي تطلق على نفسها اسم الدولة الإسلامية، وهو ما يوحي بأن التنظيم ليس غير مبالٍ أبدًا بمعاناة المدنيين المتواجدين تحت سيطرته.
– التعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية ضروري للوصول إلى السكان المحتاجين، ولكن ذلك مشروط بتحسين الظروف وتوضيح المخاطر القانونية وأثر ذلك في سمعة المنظمات.
– يجب على المنظمات الحفاظ على حوار صريح مع الجهات المانحة حول الاجراءات المضادة للإرهاب وتأثيرها في العمل الإنساني.

كتب تقريرَ الأزمة هذا إيفا سفوبودا، المكلفة بالأبحاث في مجموعة السياسات الإنسانية (HPG)، ولويز ريدفير، الصحافية لدى وكالة « إيرين ». إن الآراء الواردة في هذا الملف هي آراء المؤلف ولا تعبر بأي طريقة عن آراء وكالة « إيرين » أو « أودي – ODI ».